من أرشيف الذاكرة .. من صالون كاذب إلى ماخور
يمنات
أحمد سيف حاشد
– لقد أغرقونا و لم نعد نخشى البلل .. فرمونا و لم نعد نتحاشى ما تفعله السكين، صهرونا و لم نعد نبالي بالطرق و الحدادة .. استغرقتنا إرادة لا تموت و لا تلين .. سنظل نقاومهم حتى يدوخ الزمان من الدوران .. نقاومهم بشجاعة و جسارة لا تستسلم و لا تنحسر و لا تخور .. سنسحق ما بقي لدينا من مخاوف، و نتحرر من كل هاجس، و نحشد كل الطاقات في مواجهة الطغيان.
– سنأكل أكبادنا، و نلقي قلوبنا في الجحيم، دون أن نطأطئ رأسا، أو نبوس قدما، مهما كان الحاضر قاتما و داجيا و شاتيا؛ فالمستقبل المشرق لنا، لأننا من نبحث عنه .. لن نكل و لن نمل و لن نيأس، و سنستنهض دوما قوانا من إرادة لا تعرف الهزيمة .. سننهض كل مرة من تحت الرماد كالعنقاء .. لن نتردد في ركوب البحر مهما كانت الأهوال و الأحوال، فالعشق فينا يتأجج على الدوام .. لا يُخمد و لا يُهمد، و أرواحنا جذوة تشتعل، لا تنطفي و لا تموت..
***
– على مدار خمسة عشر عاما من عضويتي في البرلمان، لم أجد يوما أي حكومة صادقة من الحكومات المتعاقبة على مختلف مسمياتها، و لم يكن البرلمان طيلة هذه المدة جادا مرة واحدة في مُساءلة أي حكومة، أو حتى في استخلاص صدقها، أو في اتخاذ إجراءاته الدستورية في سحب الثقة من أحد أعضاءها، بل كاد البرلمان يعاقبني في عام 2006 عندما أقسمت أن وزير داخليتها رشاد العليمي كاذب.
– لم أكن الأول و لا الوحيد الذي يصف حكومة أو زير فيها بالكذب، فنشتيه يقول: “الحكومة تكذب ببرود .. كل ما تقوله الحكومة كذب” و مريد البرغوثي يقول: هناك دائماً روايتين لكل ما يحدث: “رواية صادقة، و رواية الحكومة”. فيما بيل موري يقول: “إن كذبنا على الحكومة تلك جناية, و إن كذبت الحكومة علينا فهي سياسة”.
– غير أن الأمر اليوم أختلف عن سابقه، فلم تعد حكومة الإنقاذ في صنعاء، أو حكومة “الشرعية” في عدن تمارسان الكذب فقط، بل أتضح لنا بجلاء، إن تلك الحكومتين هما نفسيهما، كذبتين كبيرتين لا تُبارى و لا تُنافس..
– كل دولة كما يقول “جوزيف دي مايستر” لديها الحكومة التي تستحقها”.. و لكن نحن في اليمن لم تعد لدينا دولة للأسف .. قال تشرشل: “كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها” فيما نحن في اليمن اليوم ليس لدينا حكومة، لنتحدث عنها، بل لدينا كذبتين كبيرتين إحداهما اسمها “حكومة الشرعية”، و الثانية اسمها “حكومة الإنقاذ” .. و لو كان تشرشل يعيش إلى اليوم لوصفهما بالمواخير لا بالحكومات.
– كانت الحكومات السابقة تقدم للبرلمان معلومات كاذبة .. أما اليوم فلم تعد الحكومات تقدم شيء، و لم يعد في يدها أي شيء .. بل صارتا حذائين يتم انتعالهما من قبل الغير في المناطق القذرة و الموحلة، و باتتا قفازين يتم لبسهما حال غسل الجرائم القذرة لغيرهما، و تتحمل التبعات .. بل و تم تحوليهما إلى ماخورين، و مغاسل قذرة في أفضل الأحوال. هنا الدعارة الحقيقية يا مواخير الدعارات.
***
– كانت الحكومات في السابق تقدم معلومات كاذبة أو مظللة للبرلمان، و تزف إليه أرقاما مناقضة للواقع إلى حد بعيد .. و ما كانت الحكومة تستسهل البرلمان إلى تلك الدرجة، إن لم يضع المجلس نفسه محل استسهال و استصغار، بل هو كان في الحقيقة سهلا و صغيرا .. أصغر من حبة خردل.
– هيئة الرئاسة أوكل لها دور المعطل لكلما من شأنه أن يجعل المجلس يمارس مهامه حتى في حدودها الدنيا .. تعيق و تعرقل و تحبط حتى ما هو متواضع، و يكفي هنا أن نستدل بتقرير تهريب الأطفال اليمنيين إلى دول الجوار، و استغلالهم جنسيا، حيث تعمدت هيئة الرئاسة عدم مناقشته، أو عرضه على النواب في قاعة البرلمان مدة تقارب الأربع سنوات من إنجازه، رغم تواضع هذا الإنجاز و تواضع ما ورد فيه..
– في الخلاصة العددية التي وافت بها وزارة الداخلية مجلس النواب للحالات التي تم ضبطها في قضية تهريب الاطفال؛ هي مائة و واحد و ثمانين حدثا، و ثلاثة و عشرين فتاة، قام بها اثنان و ستون مهربا خلال الاعوام من 2000 و حتى 2004م هذا رقم ليس فيه فقط استسهال و استصغار للمجلس، بل أيضا استخفاف و استهتار بالغ فيه، و لكن كل يضع نفسه حيث يشاء..
– غير ان تقرير وزيرة حقوق الانسان الأستاذة امة العليم السوسوة المرسل لمجلس النواب ذكر ان الدراسة الميدانية التي اجرتها وزارة الشؤون الاجتماعية و العمل، اشارت الى ان اجمالي الاطفال المهربين الذين تم اعادتهم عبر سفارتنا في الرياض و قنصليتنا العامة بجدة خلال العام 2003م بلغ ثلاثة الاف و خمسمائة طفل .. و هذا العدد يمثل الاطفال المهربين الذين ضبطوا و حجزوا في مراكز الحجز السعودية في (الرياض، جدة، مكة، المدينة، الطائف) أي المدن السعودية البعيدة عن الحدود، اما المدن السعودية الجنوبية و القريبة من الحدود اليمنية فقد تكون الاعداد اكثر من هذا..
– هذا الرقم ما كنا لنصل إليه من الحكومة لو لم تكشفه ابتداء مصادر خارجية .. ثم أن هذا الرقم لم يكشف الحقيقة كلها أو حتى نصفها .. فعندما ذهبنا أنا وزميلي نبيل الباشا لمكتب اليونسيف في صنعاء، و التقينا بممثل اليونسيف في اليمن السيد رامش شرستا اشار الى ان عدد الاطفال المهربين يصل إلى تسعة آلاف طفل من الفئة العمرية، ما دون السادسة عشر سنة في العام 2003م، و عندما سألناه عن مصدر معلوماته اجاب بالقول: من وزارة الداخلية و الحدود. مضيفا ان هذا الرقم مخيف و مقلق و يتزايد باستمرار. و مشيرا إلى وجود عمليات تهريب منظمة يشترك فيها بعض الاشخاص العاملين في الاجهزة الحكومية.
– و لكن لماذا وزارة الداخلية تعطي مجلس النواب معلومات لا تستحق الذكر، و تعطي المنظمات الخارجية كل المعلومات .. الجواب: لأنها لا تريد أن يطّلع الشعب على شيء مما يحدث في الواقع لغير صالحها، فيما تريد بالمقابل أن تتسول الأموال بالأطفال الضحايا، من المنظمات الدولية.
– و من أجل ذلك لم يقتصر التسول على دولة واحدة، أو دولة بعينها، أو منظمة واحدة، و إنما تتسول الجميع لحصد أكبر ما يمكن حصاده من الأموال، و كان قد تم الكشف أن حكومة الولايات المتحدة رصدت مبلغ 8 ملايين دولار جائزة لأفضل بحث أو دراسة عن عمالة و تهريب الأطفال في اليمن. و أشارت إلى أن هذه المسابقة تأتي خارج إطار الدعم الحكومي الأمريكي لمشروع مكافحة عمالة الأطفال في اليمن المقدر بـ 29 مليون دولار. غير أن ما تم جنيه من التسول بالأطفال ضحايا التهريب كان أكثر من هذا بكثير..
– و كانت لجنة الحريات و حقوق الإنسان في مجلس النواب، قد توقفت عند سؤال هل تهريب الأطفال الجاري الحديث عنهم هو ظاهرة أم مشكلة، و عمّا إذا كان هناك اتجار بالأطفال أم لا، انتصر الإجماع مؤتمر و معارضة، على من شذ منه، و لم يشذ من الجمع غير اثنين أنا واحدا منهم .. هكذا قرر الإجماع بأن تهريب الأطفال ليس ظاهرة، و انه لا وجود لشيء اسمه اتجار فيما تشهده اليمن من تهريب للأطفال، و زائد على هذا قال عضو اللجنة الإصلاحي أحمد هادي الشقذه: “ما يثار في الصحف حول ظاهرة تهريب الأطفال، و استغلالهم جنسيا أمر مبالغ فيه، و لا يجوز إثارته على النحو الذي اثير، لأن الله لا يحب الجهر بالسوء”. متناسيا المثل الضارب في عمقه و القائل: “من خارج الله الله و من داخل يعلم الله”..
***
– أما اليوم و في هذه الحرب التي طال أمدها، فالأطفال قد صاروا محاطب حرب لا تشبع، و يتم استخدامهم في هذه الحرب من قبل كل الأطراف المتحاربة، في استغلال منحط و بشع، لفقرهم، و فقر أسرهم، و قطع مصادر أرزاق و رواتب أكثر من مليون موظف، بتواطؤ و دعم مجلس الأمن، و البنك الدولي، و صندق النقد الدولي، و الدول المستفيدة من بيع السلاح في هذه الحرب القذرة..
– و لا يقتصر ضحايا الحرب من الأطفال في اليمن بتلك الآلاف التي تسوقهم الأطراف المتحاربة إلى جبهات الحرب و محارقها، بل و من يقتلون من الأطفال، في مدارسهم و منازلهم و أسواقهم و أعراسهم، و مخيمات النزوح و الإيواء، و كل الأمكنة غير جبهات الحرب..
– و بعد أن كانت الحكومات اليمنية تتسول باسم الضحايا، صارت المنظمات الدولية و على رأسها الأمم المتحدة تتسول بأطفال اليمن الضحايا، و ترفض إدخال الدول التي تقتلهم في قائمة العار، لأن هذا يؤثر على الدعم الممنوح للأمم المتحدة، و هكذا تعري حرب اليمن اليوم بشاعات الدول الكبرى و المنظمات الدولية على مختلف توجهاتها في الألفية الثالثة .. إنها مرحلة الرأسمالية المتوحشة التي تحدث عنها ماركس قبل قرابة القرنين.
يتبع..
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.